عاممقالات

دكتور محمد فاروق .. يكتب: من الألف إلى الياء .. في مواجهة الغلاء (2)

بعد الحديث في الحلقة الأولى عن التضخم، مفهومه وأسبابه، أصبح ملائماً الآن أن نعرض فكرتنا حول مكافحة الغلاء وارتفاع الأسعار واختفاء السلع، والتي كانت الحاجة فيها هي الدافع الرئيسي إليها، وكما يقولون «الحاجة أم الاختراع»، و أزيد أنها أم الابتكار أيضاً وأم الأفكار.

والمعروف أن تحديد السعر لأي سلعة، يتوقف على مدى توافرها ومعدلات الطلب عليها، كما يعتمد ذلك بشكل أساسي على سلاسل الإمداد المختلفة التي تؤثر بشكل مباشر على أسعار السلع، وبالطبع كلما زاد عدد الحلقات في هذه السلاسل، كلما زاد سعر السلعة، والعكس صحيح بالتأكيد، كما أنه كلما زاد الطلب على السلعة زاد سعرها.

وبمراجعة ما كان يحدث في سوق المواد الغذائية في الفترة السابقة، نجد أن الأسعار كانت تزيد بشكل مستمر وبدون أسباب منطقية تدعو لذلك، باستغلال عدم استقرار سعر الصرف، وكان رفع الأسعار بطريقة عشوائية يؤثر بلا شك على كل البيوت المصرية.

ومن الثابت أيضاً أن آخر حلقة في سلسلة الإمداد، تتمثل في تاجر التجزئة، والذي يحصل على ربح شبه ثابت دائماً، فيما يستفيد بقية التجار في حلقات سلسلة الإمداد، التي تبدأ بالمستورد إذا ما كانت السلعة مستوردة، وما أكثر ما نستورده في حياتنا، فحتى القمح نستورده، أما إذا كانت السلعة بتصنيع محلي فالأول غالباً هو الذي حصل على معظم «الكعكة» في عملية البيع والشراء، من «هوامير السوق».

ولا شك أن وجود عدة محطات في رحلة سلاسل الإمداد يتحكم فيها عدد من الأشخاص، تمثل سبباً رئيسياً في ارتفاع وعشوائية الأسعار غير المبررة، يتضح ذلك من أثر المجمعات الاستهلاكية في معظم المدن والتي تساهم بصورة لافتة في خفض الأسعار، في إشارة إلى ما يفعله كبار التجار في جحيم الأسعار، غير أن هذه المجمعات غير كافية لإحداث الأثر المرجو، لأن نسبة من يستفيدون منها قليلة، وأحياناً قد تتطلب هذه المجمعات من المواطن قدرات مالية عالية نسبياً لشراء كميات من احتياجاته، تسمح له بالاستفادة الجيدة من نسب الخصومات الموجودة في مثل هذه المجمعات.

وبالنظر إلى فئات عديدة من المواطنين، نجد أن لديهم مصدر دخل ثابت، قد يسمح لهم بتدبير مبلغ لا بأس به، ولكن لمرة واحدة، للاستفادة من التخفيضات، فضلاً عن أن معظم أهل القرى من الأماكن البعيدة عن هذه المجمعات ليس بإمكانهم تحمل عبء السفر للتسوق من هذه المجمعات مرات عديدة،، فتكلفة التنقل أحياناً، قد تلتهم ما وفرته التخفيضات.

أيضاً، يعتمد عدد كبير من المواطنين، على الشراء من بائع التجزئة، للكثير من الاعتبارات، ربما لقرب المسافة، أو لقلة السلع المشتراة، وأحياناً لتأجيل دفع ثمن السلع إلى وقت لاحق، كما أن هناك فئات كعمال اليومية والحرفيين وصغار الموظفين، يجدون في بائع التجزئة مصدراً موثوقاً للعامل مع قدراتهم المالية المتواضعة.

أعتقد أن أي مقترح لتخفيف وطأة الغلاء يجب أن تنطلق من هذه الثوابت والتوازنات التي أسلفنا ذكرها، ففي النهاية كلنا شركاء في وطن واحد، ومن الأولى رفع العبء في البداية عن محدودي الدخل وصغار الموظفين، فلن تستقيم الحياة وهؤلاء يعانون من العوز أو الانكسار، أما كيف يتحقق ذلك، فهو ما نتحدث عنه في حلقة قادمة إن كان في العمر بقية بإذن الله.

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى